الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا يخفى على أحد أن الأزمة المالية اليوم تعصف بالعالم شرقا وغربا، فهي حدث عظيم أقضَّ مضاجع الساسة وأصحاب القرار وأرباب الفكر والاقتصاد، وهب خطبٌ جسيم له تعقيداته وتداعياته المتعددة، يوضح ذلك الاضطراب العظيم الذي يعيشه الاقتصاديون والسياسيون، وكثرة الكتابات وتباين التحليلات، فهم في أمرٍ مريج، وأقبل بعضهم على بعضٍ يتلاومون فيمن يتحمل مسؤولية ما حدث.
الأزمة الحقيقية: تهاوت فيها بنوك كبرى ومؤسسات مالية، وانحدرت فيها البورصات العالمية، وتبخرت تريليونات، وطارت مليارات من أسواق المال، وهوت دول في العالم إلى الحضيض، وصارت هذه الأزمة أشبه بتسونامي يعصف باقتصاديات الكثير من الدول.
فخر عليهم السقف من فوقهم: الاقتصاد والمال هما القاعدة الأساس للمجتمع الغربي، ولما ركنوا إليها وتركوا شريعة الله {فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [سورة النحل: 26].
وها نحن اليوم نرى تدميرًا كبيرًا يطبق عليهم، فأمسى البناء الاقتصادي الذي تفاخروا به وظنوا أنه يمنعهم ويحميهم سببا لاضطرابهم وفساد أمرهم، فجاءهم البلاء من فوقهم ومن أسفل منهم، وكانوا يظنون نظامهم المالي محكمًا ولكن جاءهم من جهته ما لم يكونوا يحتسبون {وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [سورة النحل: 26].
قل هو من عند أنفسكم: كما أن للمصائب والكوارث أسبابًا مادية معروفة، فإن لها أسبابًا شرعية كذلك، ووجود الأسباب المادية لا يتنافى مع الأسباب الشرعية. فالظلم والبغي والمعاصي وأكل الحقوق كلها من أسباب لنزول المصائب بالناس على مستوى الأفراد والجماعات، بل على العالم كله أحيانًا، مسلمهم وكافرهم، كما نشهده في هذه الأزمة التي تنطوي على كوارث يتبع بعضها بعضًا، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [سورة الروم: 41]، وفي الحديث: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله» [أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني].
الله يمهل ولا يهمل: فقد أمهلهم وهم يتعاملون بالربا، ويأكلونه أضعافًا مضاعفة، ويحاربونه تعالى على مر السنين، حتى أخذهم بالنقص والبوار، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لَيُمي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}» [متفق عليه].
فلا يظنن ظانٌ أن الله في عليائه وكبريائه وجبروته يترك هؤلاء يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ويكفرون به، ويقترفون كل كبيرة، ثم لا يُنزل بهم بطشه وعقويته وعذابه.
مصير الباطل إلى ضعف واضمحلال: فمهما علا وارتفع فهناك يوم سينخفض فيه ولابد، سنةٌ من سن الله لا تتبدل ولا تتغير، «حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» [رواه البخاري] ، لقد تبوأ الغربيون ذروة الاقتصاد العالمي وقالوا: "من أشد منا قوة؟"، فأنزلهم الله تعالة من صياصيهم وقلاعهم المالية، وقذف في قلوبهم الهلع والرعب، وأظهر زيف ادعاءاتهم.
حرب الله على أهل الربا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة: 278-279]، وهذه الحرب تتجلى اليوم بصورها المتنوعة، على الأعصاب والقلوب... على البركة والرخاء... على المال والقوة... على السعادة والطمأنينة.
إنها حرب القلق والخوف، الساحقة الماحقة من جراء الاقتصاد الربوي المقيت... والمسعرة حتى الآن؛ تأكل الأخضر واليابس. وها هم اليوم يصابون بالاكتئاب والقلق والإحباط والانهيارات النفسية جراء الأزمة المالية، ووصل الأمر إلى حالات قتل وانتحار نتيجة ضغوط الأزمة المالية.
يمحق الله الربا: والمحق حسي ومعنوي، فيذهب ببركة المال فلا ينتفع به صاحبه، أو يذهب بالمال كليةً كما سمعنا عن تبخر تريليوني دولار في خمسة أيام من أموال مصلحة التقاعد الأمريكية... وقد أدت الأزمة حتى الآن إلى اختفاء 16 بنكًا من الساحة من بينها بنك "إندي ماك" الذي يستحوذ على اصول بقيمة 32 مليار دولار وودائع تصل إلى 19 مليار دولار، ويتوقع بعض المحللين أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنكَا تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار بحلول منتصف العام القادم.
تزاوج الربا والميسر نذير خراب ودمار: وكانت من نتيجة هذا التزاوج إعلان أكبر المصارف الأمريكية إفلاسها، وانهيار أكبر شركة تأمين (gia) التي دفعت 11 بليون دولار من التعويضات، وتكبدت أكبر خسائر في تاريخها الذي يمتد حوالي تسعين عاما، وأصبح ما بين 2-3 ملايين أمريكي يواجهون خطر فقدان منازلهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الأقساط الشهرية.
جزاء الطمع: الطمع والجشع والخداع والتدليس في العقود، مع التغرير بالناس واستغلال حاجتهم... أسبابٌ لها تأثيرها الواضح في الأزمة، فقد توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من 60 ضعف حجم رؤوس أموالها الحقيقية طمعا في الأرباح.
مخاطر التعامل بالأرصدة الوهمية: فقد أظهرت الأزمة الفارق الكبير بين القطاع العيني من السلع والخدمات والمنتجات الحقيقية، وبين المشتقات المالية المعاصرة كالنقود الالكترونية، والسندات المالية، والبطاقات الائتمانية على نقود وهمية... والأرصدة الالكترونية التي لا وجود لها إلا في ذاكرة الحواسيب... تكتسب قيمتها من ضمان البنوك لها، فإذا فقدت الثقة في هذه البنوك والمؤسسات زالت قيمتها.
تهالك المبادىء الرأسمالية: فقد أبانت هذه الأزمة عن فشل النظام الرأسمالي وعجزه عن تحقيق الأمان المالي والتوازن والعدالة الاجتماعية والاقتصادية بين فئات المجتمع المختلفة.
ولطالما تباهى الغرب بنظامه المالي وزعم أنه أكمل ما وصلت إليه البشرية حتى قال فوكو ياما: "إن المجتمع الأمريكي هو ذروة كمال البشرية، وقمة نضج الإنسانية، وليس بعده شيء".
وحتى قال الرئيس الفرنسي ساركوزي: "إننا في حاجة إلى إعادة بناء النظام الانقدي والمالي من جذوره".
ثم نُكسوا على رؤوسهم: بعدما تجاوز العالم الصدمة الأولى للانهيار المالي خرجبعض الناس من متعصبة الرأسمالية ليدافعوا عن نظامهم المالي البالي زاعمين أن الخلل ليس فيه وإنما في سوء تطبيقه ونقصان بعض القيود عليه، وانه لا يحتاج إلى تغيير وإنما يحتاج إلى بعض التعديلات فقط، وهذه مكابرة لا يستفيد أصحابها من الأحداث والعبر {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [سورة الأنعام: 4].
القواعد الشرعية المالية صِمام أمان للاقتصاد: ولما تجاوز القوم هذه القواعد الشرعية في التعاملات المالية، وتعدوا حدود الله، وانتهكوا حرماته من خلال: الإقراض والاقتراض بالربا وبيع الديون، والبيوع الوهمية، والبيع قبل القبض، وبيع ما لا يملك، وبيع الغرر والجهالة، والتعامل بالميسر والتأمين... تسبب ذلك في نكبتهم وسقوط شركاتهم وبنوكهم... وبلغ حجم المشتقات المالية المشؤومة الهالكة المهلكة في العالم أكثر من 60 تريليون دولار.
الأساس السليم يورث بناء سليم: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة التوبة: 109]، فلا اقتصاد بغير نور الوحي، وليس كما ينادي المرابون بأنه لا اقتصاد بدون بنوك، ولا بنوك بدون ربا!!!
فرصة ذهبية للدعوة: ما حدث يعد فرصة عظيمة لأتباع النظام الاقتصادي الإسلامي ليبينوا انه النظام الوحيد الناجح، والذي يحقق ما يحتاجه العالم.
ولقد بدأ الغربييون أنفسهم يدركون هذه الحقيقة إذ دعت كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم، حتى كتب أحدهم متسائلا: "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق الشريعة الإسلامية؟".
وقالت سواتي تانيجا إحدى حبيرات المال في أوروبا: "إن الأزمة المالية بأمريكا تعطي فرصة ذهبية للاقتصاد الإسلامي المنافي للتعاملات الربوية".
استثمار الأزمة في إيصال الحق للناس: إن من واجب الخبراء الماليين الإسلاميين أن يستخرجوا مفردات النظام المالي الإسلامي من القرآن والسنة ويقدموه للبشرية نظامًا كاملاً مستقلًا، لا تابعًا ولا ترقيعيًا. فليس النظام المالي الإسلامي هو الخالي من الربا فقط، ولا المقتصر على الأحكام دون أخرى، ولا المشتمل على منتجات غربية بطلاء الأسلمة، بل هو نظام كامل مستقل يحقق مقاصد الشريعة والعدل في التعاملات المالية كافة.
ظهور حكمة الله في التشريع: فقد استبان لكل من له قلب ونظر بعين اليقين أن الله تعالى لا يشرع شيئًا إلا وفيه مصلحة للعباد، ويحرم شيئًا إلا وفيه ضررهم في الدنيا والآخرة. وهذه الأزمة المالية قد أوضحت بجلاء أضرار الربا والمخالفات المالية، فسبحان من حرمها وغلظ تحريمها!!. وليس مستغربا أن يكتب رئيس تحرير مجلة تشالينجز قائلا: "لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات...".
شؤم المعصية يعم: وهذا ظاهر في الأضرار التي لحقت بالاقتصاديات العالمية كافة، ويؤكده قول الأمين العام للأم المتحدة: "الأزمة المالية تهدد معيشة مليارت الأشخاص عبر العالم".
وقد بلغت خسائر البورصات العالمية قرابة 3 تريليون دولار، وتبخرت 155 مليار دولار من بورصات الخليج في أسبوع. وقد حذر رئيس منظمة العمل الدولية من فقدان حوالي 20 مليون شخص وظائفهم بحلول نهاية العام القادم على خلفية الأزمة. وصدق الله إذ يقول: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال: 25].
وكان من حكمة الله في ذلك تبغيض أصحاب مركز الزلزال المالي في قلوب أهل الأرض كافة باعتبارهم المسؤولين عن هذه الكارثة.
سنة الله مع الأمم الظالمة: قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [سورة الرعد: 31]، وكلمة {قَارِعَةٌ} نكرة تفيد العموم، فتعم كل قارعة، فقد تكون مسموعة كالصواغق والعواصف، وقد تقرع القلوب بالرعب والذعر والهلع كالانهيارات والأزمات المالية.
لله الحكمة البالغة: في قضاءه وقدره، فتقديره سبحانه مبني على حكمته وعدله... ذلك تقدير العزيز العليم. ولا يخرج شيء عن الكون من مقتضى حكمته، فهو الحكيم الخبير.
وحكمته سبحانه جعل المصائب والكوارث سببا للاتعاظ والتذكر والرجوع إليه {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة السجدة: 21]، وقال: {لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الروم: 41]، فمن الناس من يرجع إلى الله بسبب هذه الأزمة، وكثير حق عليه العذاب، فلا يتوب ولا يؤوب {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: 43].
الملك الحقيقي لله: وقد استخلف الناس في هذا المال، فما شاء أبقاه وما شاء أخذه، يغني من يشاء ويفقر من يشاء، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، وفي الأزمة درس للمغترين والمغرورين السائرين على قول قارون {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [سورة القصص: 78]، الذين نسوا أن الله قادر على أخذهم وأخذ أموالهم وثرواتهم فجأة.
الإنسان هلوع جزوع: أبانت هذه الأزمة عن مدى الهلع والجزع الذي أصاب الناس كما قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [سورة المعارج: 19-22].
وقد نتج عن هذه الأزمة: حالات انتحار وقتل... سكتات قلبية ودماغية... جلطات وأمراض مزمنة... انهيارات عصبية وأزمات نفسية، أما المؤمن فحاله مختلف: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» [رواه مسلم].
شدة تعلق الإنسان بالمال: وقد كانت هذه الأزمة مثالا واضحا للحقيقة التي ذكرها الله تعالى بقوله: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [سورة الفجر: 20]، أي: حبًا كثيرًا شديدًا... وكان من تأثير هذا الأمر أن أقدم بعض ممن خسر ماله على الانتحار لأن المال كان كل شيء في حياته، فلما فقده لم يعد عنده في الاستمرار في الحياة دافع، فأقدم على الانتحار بعد أن صار عبدا للدينار والدرهم والدولار، وهذا من نتائج تعلق القلب بغير الله.
ضعف التوكل على الله في أمر الرزق والمعاش: لقد كشفت هذه الأزمة عن مدى القلق الشديد على المستقبل نتيجة للخوف من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية والتخلص من تبعية الديون، ولو آمن الناس بقوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا} [سورة هود: 6]، وبقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سورة الذاريات: 58]، لرزقهم رزقًا حسنًا سهلًا ميسورًا مضمونًا كما يرزق الطير.
تقلب حال الدنيا وزوالها: فالدنيا خضرة حلوة تغر أهلها، ولما ظن الكفار أن أموالهم دائمة لهم بعدما نجحوا في التجارات والصناعات وتقدموا في الآلات والمخترعات، أتاهم الله بغتة كما قال عز وجل: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة يونس: 24].
وختامًا: نسأل الله تعالى أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويعز الإسلام والمسلمين، ويذل المنافقين والكافرين، ويعوض من أصيب من المسلمين خيرًا، ويعظم لهم أجرًا، ويوفقنا جميعا لما يحب ويرضى.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "لا يخفى على كل مسلم بصير يدينه أن التعامل بالربا وأكله منكر، ومن كبائر الذنوب {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [سورة البقرة: 276]، وقد جعل الله سبحانه ذلك محاربة له ولرسوله {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة: 279]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده»، وقال: «هم سواء».
والآيات والأحاديث في التحذير من الربا وبيان عواقبه الوخيمة كثيرة جدا، فالواجب على من يتعاطى ذلك التوبة إلى الله سبحانه منه، وترك لامعاملة به مستقبلًا وعدم الانصياع لمثل هذه المعاملات الباطلة طاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين للتوبة إليه من جميع الذنوب، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا إنه جواد كريم، وصلى الله على نبيبنا محمد وعلى آله وصحبه (مجموع الفتاوى بتصرف).