محروسة علام
عدد المساهمات : 74 تاريخ التسجيل : 13/10/2010
| موضوع: اداب الطعام الخميس أكتوبر 14, 2010 9:55 am | |
| المصدر كتاب من اداب الطعام للكاتب يحيى بن موسى الزهرانى
الحلقة الاولى 1-ذكر اسم الله تعالى على الطعام والشراب مانع من تمتع الشيطان به : وعدم ذكر اسم الله عليه ، مؤذن باستحلال الشيطان للطعام والشراب ، فالواجب على المسلم أن يسمي الله تعالى قبل بداية الطعام ، فإن نسي وتذكر أثناء الأكل أو بعد الفراغ منه فليقل : بسم الله أوله وآخره ، هكذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه سنته التي يجب علينا اتباعها والتمسك بها ، فإن النجاة والفوز في ذلك بإذن الله تعالى . عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ ، فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ " [ أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد والدارمي وغيرهم ، وهو حديث صحيح ، انظر الإرواء 7 / 24 ] . قال ابن القيم رحمه الله : " وللتسمية في أول الطعام والشراب ، وحمد الله في آخره تأثير عجيب في نفعه واستمرائه ، ودفع ضرره . قال الإمام أحمد رحمه الله : إذا جمع الطعام أربعاً ، فقد كمل : إذا ذكر اسم الله في أوله ، وحُمد الله في آخره ، وكثرت عليه الأيدي ، وكان من حل . [ زاد المعاد 4 / 213 ] .
2- ومن آداب الطعام ، أن ذكر اسم الله تعالى على الطعام والشراب يكثره كما سيأتي :
3- ومن آداب الطعام ، أن التسمية على الطعام لكل واحد : فلا تكفي تسمية واحد ممن يأكلون عن الجميع ، لأن هذه سنة تخص كل أحد ، فلا تكفي تسمية أحدهم ، بل ينبغي لكل واحد أن يسمي عن نفسه . قال النووي رحمه الله تعالى : " وينبغي أن يسمي كل واحد من الآكلين ، فلو سمى واحد منهم أجزأ عن الباقين ، نص عليه الشافعي رحمه الله ، وهو شبيه برد السلام وتشميت العاطس ، فإنه يجزئ فيه قول أحد الجماعة " [ الأذكار 334 ] . وقال الملا علي القاري رحمه الله متعقباً كلام النووي رحمه الله فقال : " وهو خلاف ما عليه الجمهور من أنه سنة في حق كل واحد " [ مرقاة المفاتيح 8 / 83 ] . قلت : الصحيح ما ذكره الملا علي ، لأن الأدلة في رد السلام واضحة في جواز رد الواحد وأنه يجزئ عن الجماعة ـ وهو مبسوط في كتابي من أحكام السلام ـ أما ذكر التسمية على الطعام وأن تسمية الواحد تجزئ عن الجماعة فتحتاج إلى دليل ، والقياس هنا غير صحيح ، لأنه قياس في مقابلة النص ، بل جاء في الأحاديث السابقة ما يدل على صحة ما ذكرت ، ومنها حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ ، فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ " [ أخرجه الترمذي ] ، وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل فعلاً مع أصحابه ، فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه ، فجاء أعرابي ، فأكله بلقمتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو سمى لكفاكم " [ أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح ، انظر شرح السنة للبغوي 11 / 276 ] ، وحديث عمرو بن أبي سلمة عندما قال له رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ " ، والمقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل في كلتا الحالتين مع أصحابه ومع الغلام لوضوح ذلك في سياق الحديثين ، فهل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر اسم الله تعالى ، هذا بعيد أن يكون ، بل ذكر اسم الله ، ولما لم يذكر الأعرابي اسم الله تعالى على الطعام أكل معه الشيطان فأكله بلقمتين ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " لو سمى لكفاكم " ، وهذا دليل واضح على أن التسمية مطلوبة من كل واحد من الآكلين ، والعلم عند الله تعالى . فالصحيح في المسألة أن التسمية لكل واحد من الآكلين . وهذا ما رجحه ابن القيم رحمه الله تعالى في الهدي [ زاد المعاد 2 / 362 ] .
4- ومن آداب الطعام ، صفة التسمية عند الطعام والشراب : أن يقول : بسم الله ، ولا يزيد الرحمن الرحيم ، لأن الحديث ورد بذلك ، مقتصراً على ما سبق ، فلو قال بسم الله الرحمن الرحيم ، لخالف السنة ، ولا شك أن اتباع السنة أفضل وأعظم أجراً ، قال تعالى : " فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " [ الأعراف ] ، وقال تعالى : " وإن تطيعوه تهتدوا " [ النور ] ، وقال تعالى : " وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون " [ النور ] ، وقال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " [ الأحزاب ] . فالله جل وعلا علق الفلاح والهداية والرحمة ورجاء الخير والفوز في اليوم الآخر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومتابعة سنته ، والحذر من مخالفته . فالمراد بالتسمية على الطعام قول : " بسم الله " ، فالتسمية قول : " بسم الله " ، والبسملة قول : " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وقد ورد قول : " بسم الله " ، صريحاً عند أبي داود والترمذي من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ " [ أخرجه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2 / 320 ] ، فهذا الحديث بين صفة التسمية ، وهناك حديث آخر قال : " كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام إذا أكلت فقل : بسم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " [ أخرجه الطبراني ، وقال الشيخ العلامة الألباني رحمه : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، وإنما خرجته هنا من طريق الطبراني بهذا اللفظ لعزته وقلة وجوده في كتب السنة المتداولة ] ، وفي الحديث دليل على أن السنة في التسمية على الطعام إنما هي " بسم الله " فقط . وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، لَكَفَاكُمْ ، فَإِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَقُولَ : بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ ، فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ " [ أخرجه ابن ماجة وهو حديث صحيح ] . قال الألباني رحمه الله : " لفظ الحديث عند جميع الطرق : " وسم الله " ، إلا في رواية الطبراني من الطريق الأولى فهي بلفظ : " يا غلام إذا أكلت فقل : بسم الله " ، [ وإسناده صحيح على شرط الشيخين ] . ففي الحديث بيان ما أطلق في الروايات الأخرى ، وأن التسمية على الطعام إنما السنة فيها أن يقول باختصار : " بسم الله " ، فاحفظ هذا فإنه مهم عند من يقدرون السنة ، ولا يجيزون الزيادة عليها . [ الإرواء 7 / 31 ] . وقال فضيلة الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى : " ولا حرج أن يزيد الإنسان : الرحمن الرحيم ، لأن هذين الاسمين أثنى الله بهما على نفسه في البسملة في القرآن الكريم ، فإن قال : بسم الله الرحمن الرحيم فلا حرج ، وإن اقتصر على بسم الله كفى " [ شرح رياض الصالحين 7 / 196 ] . قال ابن حجر رحمه الله : " المراد بالتسمية على الطعام قول : " بسم الله " في ابتداء الأكل ، أما قول النووي في أدب الأكل من الأذكار : صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته ، والأفضل أن يقول : " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فإن قال : " بسم الله " كفاه وحصلت السنة ، فلم أر لِمَ ادعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً . وأما ما ذكر الغزالي في أدب الأكل من الإحياء : أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسناً ، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله ، ومع الثانية بسم الله الرحمن ، ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم ، فلم أر لاستحباب ذلك دليلاً " [ فتح الباري 9 / 646 ] . إذن السنة أن يقال عند الطعام : " بسم الله " ، والزيادة عليها غير محمودة ، لأنها زيادة على السنة . وربما لو قلت لأحدهم لا تزيد كلمة الرحمن الرحيم إذا سميت الله على الطعام ، ربما يعيب عليك ، ويقول : وما المانع لو زدنا ذلك ؟ ماذا في هذه الزيادة ؟ بل ربما قال بعضهم : زيادة الخير خيرين ؟ فالجواب : أن ذلك الكلام ليس بصحيح على إطلاقه ، وأن الزيادة على السنة توقع في البدعة ، وأن مجاوزة ما جاء به النص عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه فتح بابٍ خطير للاستدراك على الشريعة ، لأن لسان حاله يقول : ما جاءت به الشريعة ناقص ، وهناك ما هو أفضل منه ، وربما حَكَمَ على ذلك فيقول : عندي وفي رأي أن : " بسم الله الرحمن الرحيم " ، أفضل من " بسم الله " ، لأن فيها ذكر كلمة الرحمن الرحيم ، وهما اسمان من أسماء الله ؟ فنقول : ليست المسألة بالاستحسان ، وبالعقل ، فالعقل ربما كان قاصراً في بعض شؤون الشريعة لعدم معرفة مقاصدها أو حكمها ، فالمسألة مسألة إذعان وطاعة واتباع دليل ، وبما أنه قد ورد النص مقتصراً على " بسم الله " فيجب الالتزام به . وواضح أيضاً من كلام ابن حجر رحمه الله أن التسمية مرة واحدة فقط في بداية الطعام ، وأنه لا يكرر ذلك في اللقم المختلفة كما قاله الغزالي .
5- ومن آداب الطعام ، استحباب الجهر بالتسمية عند الأكل والشرب : لأنه ذكر ، والذكر يشرع له رفع الصوت والجهر به جهراً غير مضر بمن حوله ، لا سيما التسمية ، فيجهر بها خفيفة ، قال الملا علي القاري : " كل ذكر مشرع ، واجباً كان أو مندوباً ، لا يعتد به ما لم يتلفظ به " [ مرقاة المفاتيح 8 / 9 ] ، وهذه لفتة مهمة ينبغي لكل مسلم ومسلمة الوقوف عندها ، لا سيما أذكار الصلاة ، حتى لا تبطل الصلاة أو ينقص أجرها ، وقد قال كثير من العلماء : أن من لم يجهر بالذكر المشروع فليس بشيء ، بل عليه أن يعيده ، إما وجوباً أو استحبابأً ، ولقد سمعت سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله يقول ذلك . ولهذا خرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تبارك وتعالى : أنا مع عبدي ما ذكرني ، وتحركت بي شفتاه " [ قال الألباني رحمه الله : صحيح لغيره ، انظر التعليقات الحسان ] . ولا يخفى على كل أب وأم ، بل وكل مربٍ أهمية الجهر بمثل هذه الأمور التي جاءت السنة بها ، فالأبناء يتعلمون من آبائهم ، والطلاب من معلميهم ، وهكذا ففي ذلك أدب وتعليم ، كما لا يخفى أهمية الجهر بالتسمية عند الطعام لتذكير الناسي ، وتعليم الجاهل ، فالذي ينبغي على كل مسلم إذا جلس على مائدة الطعام أن يجهر بالتسمية جهراً يُسمع من حوله ، ولا يزعج غيره . فائدة : دلت أحاديث باب الأطعمة ، أن الشيطان يأكل حقيقة ، إذ العقل لا يحيله ، والشرع لم ينكره بل أثبته ، فوجب قبوله واعتقاده ، ولا يكون أكله إلا إذا ترك الآكل التسمية على طعامه ، هنا يشاركه الشيطان في أكله . [ شرح الطيبي 9 / 2838 ، شرح رياض الصالحين 7 / 206 ] . عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ، لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا ، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا " [ أخرجه مسلم ] . وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ : لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ : أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ : أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ " [ أخرجه مسلم ] . فإذا ترك الإنسان ذكر دخول المنزل ، دخل معه الشيطان ، وأحال المنزل إلى مشاكل وقلاقل ، وإذا لم يسم على الطعام نُزعت منه البركة ، فيكون الطعام الذي يظن أنه يكفيه لا يكفيه ، لأن البركة نزعت منه ، وأكل معه الشيطان وأعوانه ، فأصبح ذلك البيت مأوى للشياطين .
الحلقة الثانية
- ومن آداب الطعام ، حكم التسمية على الأكل : ففي حديث عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " يا غلام سم الله " ، وهنا أمر ، والأمر للوجوب ، ما لم يكن هناك صارف يصرفه عن الوجوب للاستحباب ، ولم يحصل ذلك ، فبقي على أصله وهو أن الأمر للوجوب ، وادعى النووي رحمه الله : إجماع العلماء على استحباب التسمية ، ولكن ادعاءه ذلك فيه نظر كما بينه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، والأصل أن الأمر للوجوب ، قال : " يا غلام سم الله " ، وهذا فعل أمر ، والأمر يفيد الوجوب . واختلف العلماء في حكم التسمية على الطعام إلى قولين : القول الأول / أنها مستحبة : ولا يأثم من تركها . القول الثاني / أنها واجبة : ويأثم من تركها . والقول الراجح : الذي ترجحه الأدلة ، أن التسمية واجبة حال الطعام والشراب ، ولولا ذلك لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها غلاماً صغيراً لم يتجاوز الثلاث سنوات من عمره ، ولأن من نسيها أكل معه الشيطان ، واستحل طعامه ، فالقول بالوجوب أقرب إلى الصواب بإذن الله تعالى . قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والصحيح وجوب التسمية عند الأكل ، وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد ، وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ، ولا معارض لها ، ولا إجماع يسوِّغ مخالفتها ويخرجها عن ظاهرها ، وتاركها شريكه الشيطان في طعامه وشرابه " [ زاد المعاد 2 / 362 ] . وقال الشيخ / محمد بن عثيمين رحمه الله : " والتسمية على الأكل واجبة ، إذا تركها الإنسان فإنه يأثم ، ويشاركه الشيطان في أكله ، ولا أحد يرضى أن يشاركه عدوه في أكله " [ شرح رياض الصالحين 7 / 196 ] . فائدة مهمة : قال العلماء : إذا جاء أحد يريد أن يأكل ولم تسمعه سمى فأمسك بيده حتى يسمي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك بيد الجارية الصغيرة ، ويد الأعرابي ، ولم يقل سميا ، بل أمسك بأيدهما حتى يكون في ذلك ذكرى لهم ، يذكرون هذه القصة ولا ينسون في المستقبل ، ومن أراد أن يأكل فليسمع من حوله تسميته . [ شرح رياض الصالحين 7 / 204 بتصرف ] . 7- ومن آداب الطعام ، الاجتماع على الطعام وعدم الأكل متفرقين : لحديث وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّا نَأْكُلُ وَمَا نَشْبَعُ ، قَالَ : " فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُفْتَرِقِينَ ، اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ " [ أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم ، وهو حديث حسن ] . وينتج عن ذلك الاجتماع ما قاله النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ " [ متفق عليه ] ، وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ ، وَإِنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ ، وَإِنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ " [ أخرجه ابن ماجة وهو حديث صحيح ] . فائدة نادرة : أسباب الأكل بلا شِبَع : ذكر أهل العلم أن هناك أسباباً لمن يأكل ولا يشبع : منها : أنه لا يسمي الله على الطعام ، فإن الإنسان إذا لم يسم الله على الطعام أكل الشيطان معه ، ونزعت البركة من طعامه ، فلا يشعر بالشبع ولو أكل كل ما في الصحن أو الطبق أو الصحفة ، ويشهد لذلك حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَرَّبَ طَعَامًا ، فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا ، وَلَا أَقَلَّ بَرَكَةً فِي آخِرِهِ ، قُلْنَا : كَيْفَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " لِأَنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أَكَلْنَا ، ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ مَنْ أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ ، فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ " [ أخرجه أحمد في مسنده ، ومنها : أن يأكل من أعلى الصحفة ، فإن ذلك أيضاً مما ينزع البركة من الصحفة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الإنسان من أعلى الصحفة ، فإنه من البركة ، وعليه أن يأكل من جوانبها . ومنها : التفرق على الطعام ، فكل يأكل لوحده في إناء خاص به ، أو يأكلون متباعدين ، كما يحصل في كثير من دول العالم الغربي أو الشرقي الإسلامي والعربي ، ولا شك أن ذلك بعد عن اتباع السنة النبوية المطهرة ، فالتفرق أثناء الطعام من أسباب نزع البركة ، فإذا اجتمع الناس على صحن واحد ، زادت البركة ، ولو كان الطعام قليلاً . ولهذا ينبغي أن يكون طعام الجماعة في إناء واحد ، ولو كانوا عشرة أو خمسة ، فإن ذلك من أسباب حصول البركة ، والتفرق من أسباب نزع البركة . 8- ومن آداب الطعام ، أن لا يمسح يده بالمنديل أو بغيره حتى يلعقها أو يُلعقها : كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا " [ متفق عليه ] ، وعلل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، بأن الإنسان لا يدري في أي طعامه البركة ، وجاء ذلك صريحاً عند مسلم في صحيحه ، وابن ماجة في سننه من حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ، وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ " .
الحلقة الثالثة
فمن هنا يتضح خطأ من يمسح يده أو يغسلها بعد الأكل مباشرة دون لعقها مباشرة ، أو يعطي من يلعقها من أطفاله وزوجاته ممن لا يتقذرون بذلك ، أو غيرهم رجاء بركة الطعام التي ربما كانت فيها ، ولهذا جاء في الحديث : يلعقها أو يُلعقها . قال النووي رحمه الله : " لا يمسح يده حتى يلعقها ، فإن لم يفعل فحتى يُلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك كزوجة وجارية وولد وخادم يحبونه ويلتذون بذلك ولا يتقذرون ، وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد بركته ، ويود التبرك بلعقها . لأن الإنسان لا يدري أين بركة الطعام ، أهي فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي أسفل القصعة أو في تلك اللقمة الساقطة ، فينبغي أن يحافظ على ذلك كله لتحصل البركة . والمراد بالبركة : ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذىً ، ويقوى على طاعة الله تعالى ، وغير ذلك . [ شرح النووي على مسلم 13 / 206 ] . 9- ومن آداب الطعام ، لعق الإناء : فإن آخر الطعام فيه بركة، كما في حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مِنَ الطَّعَامِ ، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا " ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ : سَمِعْتُ جَابِرَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ذَلِكَ : سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَا يَرْفَعِ الصَّحْفَةَ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا ، فَإِنَّ آخِرَ الطَّعَامِ فِيهِ الْبَرَكَةُ " [ أخرجه أحمد ] . وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أَنَسٍ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ ، قَالَ : وَقَالَ : " إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ ، فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ ، قَالَ : " فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ " . قال الألباني رحمه الله تعالى : " في الحديث أدب جميل من آداب الطعام الواجبة ، ألا وهو لعق الأصابع ومسح الصحفة بها ، وقد أخل بذلك أكثر المسلمين اليوم ، متأثرين في ذلك بعادات أوروبا الكافرة ، وآدابها القائمة على الاعتداد بالمادة ، وعدم الاعتراف بخالقها والشكر له على نعمه ، فليحذر المسلم من أن يقلدهم في ذلك ، فيكون منهم ، لقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " [ حديث صحيح أخرجه أبو داود وأحمد ] ، فلا تستعملن الورق المنشاف ـ المنديل ـ فتمسح به فمك وأصابعك أثناء الطعام . وإنما قلت : " الواجبة " لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك ، ونهيه عن الإخلال به ، فكن مؤمناً يأتمر بأمره صلى الله عليه وسلم ، وينتهي عما نهى عنه ، ولا تبال بالمستهزئين الذين يصدون عن سبيل الله من حيث يشعرون أو لا يشعرون [ السلسلة الصحيحة 747 ] . لأن بعض المسلسلات تعرض مثل هذه القيم الهدامة ، والآداب الغير مشروعة ، من وضع مناديل حول مائدة الطعام لمسح الفم بها بعد كل لقمة ، وربما قام أحدهم بمسح فمه ويده بعد كل لقمة يأكلها وهذا معلوم لدى الجميع ، مخالفاً في ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد وجد من المسلمين اليوم من يقلد أولئك الفجرة فلربما خسر بركة الطعام ، وترك أمر النبي صلى الله عليه وسلم . 10- ومن آداب الطعام ، إذا سقطت اللقمة أن لا يتركها : بل يلتقطها ويميط الأذى عنها ثم ليأكلها ، لما سبق بيانه من أحاديث دالة على ذلك ، لأنه إن تركها أكلها الشيطان ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ، فَإِذَا فَرَغَ ، فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ " [ أخرجه مسلم ] ، وأخرج الترمذي في سننه من حديث جَابِرٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا ، فَسَقَطَتْ لُقْمَةٌ فَلْيُمِطْ مَا رَابَهُ مِنْهَا ، ثُمَّ لِيَطْعَمْهَا ، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ " . وعن نُبَيْشَةُ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ فَلَحِسَهَا اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة ] . قوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ " ، يدل على التحذير من الشيطان ، وأنه ملازم للإنسان في تصرفاته ، فينبغي أن يتأهب ويحترز منه ، ولا يغتر بما يزينه له من قبيح الفعل والقول ، لأن الله تعالى يقول : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " [ فاطر 6 ] ، وقال تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً " [ الكهف 50 ] ، الله جل وعلا يحذر عباده من أن ينساقوا لأوهام الشيطان وتلبيسه وتزيينه ، فهو إنما يدعو من اتبعه إلى نار جهنم والعياذ بالله ، واسمع لهذه المحاورة بين الشيطان وبين من اتبعه ، يصورها القرآن الكريم تصويراً بليغاً ، قال تعالى : " وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلومني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " [ إبراهيم 22 ] . فالمسلم حريص على إرغام أنف الشيطان ، وعدم مخالطته له في طعامه وشرابه ، لأنه عدو يتربص للمسلم في كل وقت وحين ، ولهذا ينبغي على المسلم أن يحفظ هذا الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدفع كيد الشيطان ، ويمنعه من دخول المنزل والاستمتاع بما فيه من طعام وشراب أو حتى مبيت ، واسمعوا لهذا الحديث المهم الذي قلما يقوله مسلم أو حتى يحفظه ، بل ربما حفظه الكثير ، وعمل به القليل ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ : " لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ : " أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ : أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ " [ أخرجه مسلم ] . فالأذكار مما يحفظ العبد من شياطين الجن والإنس بإذن الله تعالى ، ولهذا نجد أن أكثر من يصاب بالعين والحسد والسحر والقلق في المنام ، والأمراض النفسية ، والأوهام والوساوس والهم والغم ، كل ذلك ناتج عن عدم معرفة الأذكار من الكتاب والسنة ، وعدم حفظ شيء منها ، أو حتى وضعه في الجيب لوقت الحاجة . لكن ثمة سؤال ، ما هو الذكر الذي يقوله المسلم إذا دخل بيته ؟ والجواب : عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا ، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا ، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ " [ أخرجه أبو داود ] . إذن ذكر دخول المنزل كما سبق ، أما ذكر الطعام ، فأن يقول : " بسم الله " . فذكر الله تعالى عند دخول المنزل حصن له من دخول الشياطين إليه ، وحماية له من تفلتهم على أهله ، لأن الشيطان لا يدخل منزلاً إلا عاث فيه فساداً أعاذنا الله من شره ، فإذا دخل الإنسان بيته فعليه أن يذكر الله تعالى عند دخوله ، ولقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أكمل هدي وأحسنه ، فإذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك ، ثم يسلم على أهله ، ويدل على ذلك الحديث الذي سبق ، وكذلك أخرج الترمذي من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا بُنَيَّ ! إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ " [ قَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ] . أعود وأقول إذا سقطت اللقمة فيستحب تناولها ، ومسح ما علق بها من تراب أو أعواد أو نحو ذلك ، ثم يأكلها ، ولا يتركها للشيطان ، فإن عافها ولم يردها ، فلا يرم بها ، بل يطعمها طير أو حيوان ، فينتفع بها ويكون له أجره ، ولا ينتفع بها الشيطان ويكون عليه وزره ، فكل ذات كبد فيها أجر كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا ، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ ، مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ ، فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه : وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا ؟ فَقَالَ : " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " [ أخرجه البخاري ] .
الحلقة الرابعة
ومن آداب الطعام ، انتظار الطعام الحار حتى يذهب فوره ودخانه : وهذا الأدب من آداب الطعام المهجورة ، التي هجرها كثير من الناس اليوم ، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل ترك الطعام حتى يبرد ، فقال : " هو أعظم للبركة " ، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها ، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِثَرِيدٍ ، أَمَرَتْ بِهِ فَغُطِّيَ حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَةُ دُخَانِهِ ، وَتَقُولُ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ " [ أخرجه الدارمي ، وأورده الألباني في الصحيحة برقم 392 ] . وأخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح من حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها ، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ غَطَّتْهُ شَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ ، ثُمَّ تَقُولُ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ " . وقال أبو هريرة رضي الله عنه : " لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره " [ أخرجه البيهقي ، وصحح إسناده الألباني رحمه الله في الإرواء 7 / 37 ، والسلسلة الصحيحة حديث رقم 392 ] . وقد يكون للطعام الحار أضراراً لا نعلمها ، فقد جاء عند الطبراني في الصغير واختلف العلماء في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصحفة تفور ، فرفع يده منها ، فقال : " اللهم لا تطعمنا ناراً " [ الإرواء 7 / 38 ، والسلسلة الصحيحة حديث رقم 392 ] . وأخرج الحاكم وفي سنده العرزمي وهو متروك شديد الضعف عن جابر مرفوعاً : " أبردوا الطعام الحار ، فإن الطعام الحار غير ذي بركة " [ السلسلة الصحيحة صفحة 748 ] . 12- ومن آداب الطعام ، عدم النفخ في الطعام : عن بن عباس رضي الله عنهما قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام والشراب " [ أخرجه أحمد ، وهو حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ، انظر الإرواء 7 / 36 ] ، وعن مكحول أنه كان يكره النفخ في الطعام والشراب ، وعن مجاهد أنه لم يكن يرى بالنفخ في الطعام والشراب بأساً " [ مصنف بن أبي شيبة ] . أما ما جاء عن مكحول فهو موافق لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما رأي مجاهد فهو مخالف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على غيره من الأقوال ، لأنه لا ينطق عن الهوى ، بل هو وحي من الله تعالى يوحى إليه . فالنهي عن النفخ في الطعام لعلة أنه ربما وقع من فيه شيء في الطعام والشراب من لعاب أو غيره ، أو ربما خرجت منه رائحة كريهة تبقى في الطعام والشراب ، فإن رآه من يستقذر ذلك لم يأكل من الطعام ، ولم يشرب من الشراب ، بل ربما أدى إلى ذلك إلى البغضاء بين الناس ممن يفعل ذلك الفعل ، فعلى المسلم أن يتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يحذر من مخالفة أمره . إذن الحديث يدل على كراهة النفخ في الطعام والشراب ، وكذلك التنفس في الإناء ، وأكثر أهل العلم كرهوا ذلك ، لا سيما إذا كان الطعام في صحن واحد يجتمع عليه جمع من الناس ، أو كان الشراب في إناء واحد يدور عليهم ، فيشربون جميعاً ، فالنفخ حينئذ يعد سوء أدب ، وقلة في الحياء ، وعدم اعتبار للآخرين ، فمن الناس من يتقذر لذلك الفعل ، فيعاف الطعام والشراب الذي نفخ فيه ، فالطعام إن كان ساخناً يُترك حتى يبرد . والنهي هنا عام ، سواءً أكل الإنسان لوحده أم مع جماعة . [ إهداء الديباجة 4 / 437 ] . 13- ومن آداب الطعام ، الأكل مما يليه : وعدم الأكل من جوانب الطعام ، أي من جوانب الصحن أو القصعة أو الصحفة ، عن أَنَسَ ابْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال : إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ ـ القرع واليقطين ـ وَقَدِيدٌ ـ اللحم المملح المتروك في الشمس ـ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الصَّحْفَةِ ، قَالَ : فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ " [ متفق عليه ] ، فهذا دليل من فعله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يأكل من طرف الصحفة دون وسطها ، أما أقواله عليه الصلاة والسلام فإليكها : عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ اللَّيْثِيِّ قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ الثَّرِيدِ فَقَالَ : " كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ مِنْ حَوَالَيْهَا ، وَاعْفُوا رَأْسَهَا ، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَأْتِيهَا مِنْ فَوْقِهَا " [ أخرجه ابن ماجة وهو حديث صحيح ] . وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا ، وَدَعُوا ذُرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا " [ أخرجه ابن ماجة وأبو داود ، وهو حديث صحيح ] . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا وُضِعَ الطَّعَامُ ، فَخُذُوا مِنْ حَافَتِهِ ، وَذَرُوا وَسَطَهُ ، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهِ " [ أخرجه ابن ماجة ، وهو حديث صحيح ] . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ ، فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ " [ أخرجه الترمذي ، وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وهو كما قال رحمه الله ] . فهنا أدب من آداب الطعام ، وهو كراهة الأكل من وسط القصعة أو ذروتها ، وإنما ينبغي تناول الطعام من حواف القصعة وجوانبها ، وذلك لأن البركة تنزل في وسط الطعام ، فلا ينبغي أن يستأثر بها أحد الحاضرين دون الآخرين ، لأن في ذلك ترك أدب ، وسوء عشرة . [ إهداء الديباجة 4 / 431 ] . فالأحاديث دلت على مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل وسطه . قال الرافعي وغيره : يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة ، وأن يأكل مما يلي أكيله ، بل نص الشافعي رحمه الله تعالى على التحريم ، ويستثنى من ذلك الفواكه ، فربما كان في جهته فاكهة لا يرغبها ، وفي جهة غيره فاكهة يحبها ، فيمد يده لتناولها . [ عون المعبود 10 / 176 بتصرف ] . وقال الغزالي : وأن لا يأكل من دورة القصعة ـ مما يلي غيره ـ ولا من وسط الطعام ، بل يأكل من استدارة الرغيف ـ حوافه يعني لا يكسره ـ إلا إذا قل الخبز فيكسر الخبز . [ الإحياء 2 / 8 ] . والنهي عن الأكل من وسط الطعام عام ، سواءً أكل الرجل وحده أو كان معه غيره ، لأن الحديث أطلق النهي ، وإن كان قد قال الخطابي رحمه الله : " فأما إذا أكل وحده فلا بأس " [ معالم السنن 4 / 243 ] . وربما كان قول الخطابي رحمه الله وجيهاً ، لأنه بأكله وحده وإن طاشت يده في الصحفة ، فإنه لا يؤذي أحداً بذلك ، لكن لا يأكل من أعلى الصحفة ، لأن البركة تنزل في أعلاها ، ولكن يأكل من جوانبها . فإن كان الطعام مكوناً من أصناف عدة ، كأن يكون فيه مثلاً : قرع وباذنجان ولحم وغيره ، فلا بأس أن يتخطى بيده إلى النوع الذي يرغبه ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء ـ القرع ـ من الصحفة ويأكلها ، عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال : إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ ، قَالَ أَنَسٌ : فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ ، قَالَ أَنَسٌ : فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ " [ متفق عليه ] ، وفي لفظ قال أَنَسٍ : فَجَعَلْتُ أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ " . فالحديث ظاهر في جواز تتبع الطعام الذي يشتهيه الإنسان دون غيره من الأطعمة الأخرى التي لا يريدها ، وواضح في الحديث أن هناك ثمة أطعمة أخرى غير الدباء . الحلقة الخامسة
- ومن آداب الطعام ، الجلوس على الأرض أثناء الأكل : لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ ، وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ ، قَالَ : فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ ؟ قَالَ : عَلَى السُّفَرِ " [ متفق عليه واللفظ لابن ماجة ] . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَاتَ " [ متفق عليه ] . الخوان : ما يوضع عليه الطعام عند الأكل . السكرجه : إناء صغير يوضع فيه الطعام القليل ، ويتخذها الأعاجم لتشهيهم في الأكل . السفرة : الطعام الذي يتخذه المسافر ، وعادة ما يوضع في جلد مستدير . في الحديثين بيان لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع ، والتقلل من متاع الحياة الدنيا ، والعزوف عنها ، ومن ذلك أنه كان لا يأكل على خوان ، كما كان يأكل ملوك الأرض في زمانه ، وإنما كان يأكل على الأرض كعادة قومه ، حيث تبسط السفر يوضع عليها الطعام . لكن لا يفهم أحد أن الأكل على الخوان مكروه ، بل الحديثان دلا على أن أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان الأكل على الأرض ، لتواضعه صلى الله عليه وسلم ، مع أنه حيزت له الأرض بحذافيرها ، فتركها ورغب فيما عند الله تعالى ، وجاء عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قدم له ضب على خوان فلم يأكل منه ، لأنه عافه فلم يرغب فيه ، لو كان غير الضب لأكله ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ ، وَعِنْدَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى ، إِذْ قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خُوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ ، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ ، قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ : إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ ، فَكَفَّ يَدَهُ ، وَقَالَ : " هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ " ، وَقَالَ لَهُمْ : " كُلُوا ، فَأَكَلَ مِنْهُ الْفَضْلُ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْمَرْأَةُ ، وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ : " لَا آكُلُ مِنْ شَيْءٍ ، إِلَّا شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، فدل الحديث كما هو واضح على جواز الأكل على الخوان ، وعدم الكراهية في ذلك ، لكن الأفضل بلا شك هو أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الأكل على الأرض . فالأكل على الأرض من فعل العرب ، وعلى الخوان فعل الملوك ، وعلى المنديل فعل العجم ، والسنة من ذلك الأكل على الأرض ، وهو فعل الناس حتى هذا اليوم ، ممن تتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن تمسك بعروبته ولم يتنصل من أصله . قال ابن حجر رحمه الله تعالى : " قال شيخنا في شرح الترمذي : تركه الأكل في السكرجه ، إما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذاك ، أو استصغاراً لها لأن عادتهم الاجتماع على الأكل ، أو لأنها كانت تعد لوضع الأشياء التي تعين على الهضم ولم يكونوا غالباً يشبعون ، فلم يكن لهم حاجة بالهضم " [ فتح الباري 10 / 659 ] . ونحن اليوم نسمع عن المقبلات والمشهيات قبل الأكل ، فإذا ذهب أحدهم إلى أحد المطاعم قُدم له قبل المائدة الرئيسة ، أو قبل الطلب الرئيس ، مقبلات وأطعمه تعين على ابتلاع أكبر قدر ممكن من الأكل بعدها ، فتقدم السلطات بأنواعها ، وربما المعجنات ، والبقوليات بأشكالها ، ثم بعد ذلك تتبعها الوجبة الأساسية التي من أجلها دخل ذلك المطعم ، وليست تلك المقبلات والمشهيات في المطاعم فحسب ، بل في بعض البيوتات كذلك ، استقوها من المسلسلات والأفلام التي تعرض على المسلمين في كل يوم وليلة ، وهي عادات دخيلة أساسها الاستعمار الأجنبي الذي منيت به الدول العربية والإسلامية ، حتى أن أكثر الناس يصاب بالتخمة جراء زيادة الأكل ، وسيأتي الحديث عن هذه النقطة في موضوع الأكل حتى الشبع ، والإكثار من المطاعم التي تسبب السمنة والكسل والخمول وكثرة النوم . 15- ومن آداب الطعام ، أن لا يأكل متكئاً : عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ : " لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ " [ أخرجه البخاري ] . وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا " [ أخرجه مسلم ] . وعَنْ عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ : " مَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ ، وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ رَجُلَانِ " [ أخرجه أبو داود واللفظ له وابن ماجة وأحمد ] . وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ : أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً ، فَجَثَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ ؟ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا ، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا " [ أخرجه أبو داود وابن ماجة واللفظ له ، وقال الألباني : سنده صحيح ورجاله كلهم ثقات ، الإرواء 7 / 27 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : " إنما أجلس كما يجلس العبد ، وآكل كما يأكل العبد " [ أخرجه أبو الشيخ من حديث عائشة ، وأخرجه أحمد ، وعبدالرزاق ، وهو حديث حسن بشواهده 3 / 317 ] . الأحاديث السابقة تدل على كراهة الأكل متكئاً ، لأنها أكلة الجبابرة والمتكبرين من الناس ، وقد فُسِّرَ الاتكاء بالتربع ، وفسر بالاتكاء على الشيء ، وهو الاعتماد عليه ، وفسر بالاتكاء على الجنب ، والأنواع الثلاثة من الاتكاء ، فأما التربع فهو معين على زيادة الأكل وبالتالي إلى السمنة وزيادة الوزن ، وكلاً من الاتكاء على شيء والتربع كلاهما من جلوس المتكبرين . وأما الاتكاء على جنب فهو مضر بالآكل ، لأنه يمنع مجرى الطعام ا- المرفقات
- اداب الطعام.docx
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (38 Ko) عدد مرات التنزيل 2
| |
|
ادارة المنتدى Admin
عدد المساهمات : 21 تاريخ التسجيل : 08/10/2010
| موضوع: رد: اداب الطعام الخميس أكتوبر 14, 2010 10:05 am | |
| الاتيكيت الاسلامى فى اداب الطعام ما اروعه وما ابدعه تذكرة جميلة جزاكى الله خيرا اسمحى لى بهذه الاضافة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
|
ادارة المنتدى Admin
عدد المساهمات : 21 تاريخ التسجيل : 08/10/2010
| موضوع: رد: اداب الطعام الخميس أكتوبر 14, 2010 10:11 am | |
| | |
|
محروسة علام
عدد المساهمات : 74 تاريخ التسجيل : 13/10/2010
| موضوع: رد: اداب الطعام الخميس أكتوبر 14, 2010 10:33 am | |
| جزاك الله خيرا واسفة للاطالة لكنى اردت ان نبدأ بها قبل الحديث عن الطعام | |
|