24- ومن آداب الطعام ، التخلل بعد الأكل : وإخراج ما بين الأسنان ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَكَلَ فَلْيَتَخَلَّلْ ، فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْهُ ، وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ " [ أخرجه الدارمي ] .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : " ترك الخلال يوهن الأسنان " [ أثر صحيح أخرجه الطبراني في الكبير ، الإرواء 7 / 33 ] .
وقال أيضاً رضي الله عنه : " إن فضل الطعام الذي يبقى بين الأضراس يوهن الأضراس " [ إسناده صحيح . المصدر السابق ] .
وورد هناك أيضاً حديث عند الطبراني وضعفه بعض أهل العلم بالحديث ، من حديث أبي أيوب مرفوعاً : " تخللوا من الطعام فإنه ليس شيء أشد على الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح الطعام " [ الإرواء 7 / 34 ] .
وهناك حديث حسن أخرجه الطبراني في الأوسط والقضاعي عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً : " حبذا المتخللون من أمتي " [ الإرواء 7 / 35 ] .
قال الغزالي بتصرف : " يستحب بعد الطعام ، أن يتخلل ولا يبتلع كل ما يخرج من بين أسنانه بالخلال ، إلا ما يجمع من أصول أسنانه بلسانه ، أما المخرج بالخلال فيرميه ، وليتمضمض بعد الخلال " [ إحياء علوم الدين 2 / 9 ] .
قلت : ولو استخدم السواك أو الفرشاة بعد الخلال لكان أولى وأحسن ، وأنظف لأسنانه ، وأطهر لفمه ، لأن ترك بقايا الطعام على الأسنان يوهنها ويضعفها ، ويسبب لها الأمراض والألام ، ويورثها رائحة كريهة ، وإذا لم يتعاهد الأسنان كل ستة أشهر على الأقل بمراجعة الطبيب والفحص المستمر ، فربما احتاج بعد فترة وجيزة إلى خلعها ، أو خلع أكثرها ، هذا ما أوصى به الأطباء في عصرنا هذا .
25- ومن آداب الطعام ، عدم القيام حتى يرفع الطعام : وهذا أدب مهم من آداب الطعام التي ربما غفل عنها بعض الشباب اليوم ، وإلا فالرجال القدماء يعرفون ذلك جيداً ، فمن عادت الناس أن لا ينصرف أحدهم من على السفرة حتى ينتهي الجميع من تناول الطعام ، لأنه ربما كان فيهم من يريد الطعام ونفسه تتوق إليه ، فإذا ما قام أحدهم فربما قام الجميع وأوقعهم في الإحراج ، ولهذا جاء النهي عن القيام قبل أن يفرغ الجميع من تناول الطعام ، والأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة لا تقوم بها حجة ، ولا تصلح لأن تكون سنة يمتثلها الناس ويتتبعونها ، لكن مادام أنه قد جرى من عادت الناس على ذلك ، فالأفضل اتباع عادتهم ما لم تخالف نصاً أو إجماعاً ، وهنا لا نص ولا إجماع ، فبقيت العادة هي السائدة ، لا سيما أن في القيام قبل أن يفرغ الناس من الطعام عدة مفاسد :
منها : أن الطعام ربما وبقي ورمي في الحاويات الخاصة بالقمامة .
ومنها : أنه ربما قام أحدهم وهو يشتهي الطعام .
ومنها :الإسراف جراء رمي بقايا الطعام الزائدة .
ومنها :عدم إعطاء الطعام من يحتاجه من أهل الحاجة والفاقة كالفقراء والمساكين والأيتام .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَهَى أَنْ يُقَامَ عَنِ الطَّعَامِ حَتَّى يُرْفَعَ " [ أخرجه ابن ماجة ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا وُضِعَتِ الْمَائِدَةُ ، فَلَا يَقُومُ رَجُلٌ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ ، وَلْيُعْذِرْ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ فَيَقْبِضُ يَدَهُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الطَّعَامِ حَاجَةٌ " [ أخرجه ابن ماجة ] .
فالحديثان ضعيفان ، لكن معناهما صحيح اليوم عند الناس ، لأنه جرى عرف الناس على أن لا يقوم أحد الآكلين حتى ينتهي الجميع ، لكن لا نقول يحرم ذلك أو يكره ، بل الأمر على الجواز ، ثم لا بد من الأخذ في الاعتبار أنه إذا قام أحدهم فلربما قام الجميع حياءً ، وهنا ينبغي لمن جلس على السفرة ألا يقوم حتى يقوم الجميع ، وإذا شبع قبل الجميع فإنه يجلس ويتحدث معهم ويشاركهم حديثهم ولو أكل قليلاً قليلاً حتى لا يشعر الناس بانتهاء أكله .
وينبغي للمضيف أن يجلس مع ضيوفه على الطعام ويؤنسهم حتى يفرغوا ، وليس ذلك بشرط لازم ، فإنه لو قد لهم الطعام وقام وتركهم يأكلون فقد جاء في السنة ما يدل على ذلك ، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُلَامٍ لَهُ خَيَّاطٍ ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ ، وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ " .
قال ابن حجر رحمه الله : " لا يتحتم على الداعي أن يأكل مع المدعو " .
وقال ابن بطال : " لا أعلم في اشتراط أكل الداعي مع الضيف إلا أنه أبسط لوجهه ، وأذهب لاحتشامه ، فمن فعل فهو أبلغ في قرى الضيف ، ومن ترك فجائز ، وقد تقدم في قصة أضياف أبي بكر أنهم امتنعوا أن يأكلوا حتى يأكل معهم وأنه أنكر ذلك " [ الفتح 9 / 695 ] .
وقصة أضياف أبي بكر رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما ، وإليك القصة :
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا ، فَقَالَ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ : دُونَكَ أَضْيَافَكَ ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِيءَ ، فَانْطَلَقَ عَبْدُالرَّحْمَنِ ، فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ : اطْعَمُوا ، فَقَالُوا : أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا ؟ ، قَالَ : اطْعَمُوا ، قَالُوا : مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِيءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا ، قَالَ : اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ ـ ضيافتكم ـ فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ ، فَأَبَوْا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَيَّ ـ يغضب علي ـ فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ ، فَقَالَ : مَا صَنَعْتُمْ ؟ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ : يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ ، فَسَكَتُّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ ، فَسَكَتُّ ، فَقَالَ : يَا غُنْثَرُ ـ كلمة زجر واحتقار ولها عدة معان ـ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَّا جِئْتَ ، فَخَرَجْتُ ، فَقُلْتُ : سَلْ أَضْيَافَكَ ؟ فَقَالُوا : صَدَقَ ، أَتَانَا بِهِ ، قَالَ : فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِي ؟ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ ، فَقَالَ الْآخَرُونَ : وَاللَّهِ لَا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ ، قَالَ : لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ ، وَيْلَكُمْ مَا أَنْتُمْ ؟ لِمَ لَا تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ ؟ هَاتِ طَعَامَكَ ، فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ ، الْأُولَى لِلشَّيْطَانِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
في الحديث فوائد :
منها : على الضيف أن يأكل مما قدمه المضيف ، ولو لم يوجد صاحب المنزل ، مادام أنه أوكل من ينوب عنه .
ومنها : أن يعذر صاحب المنزل إذا كان لديه ظرف خاص ، أو عمل لا بد أن يقوم به ، لا سيما إذا وجد في المنزل من يقوم بخدمة الضيف .
ومنها : أنه إذا حلف صاحب المنزل على الضيف أن يأكل من الطعام المعين ، أو أن لا يأكل هو مع الضيف ، فعلى الضيف أن يبر قسمه ، ولا يحمله على الحنث فيه ، ومن ثم تقع عليه الكفارة .
ومنها : على صاحب المنزل أن يشارك ضيوفه طعامهم ، لأن ربما وجد منهم من يستحيي من الأكل وحده ، وألا يحرج ضيوفه .
ومنها : إذا قُدم الطعام وطلب صاحب المنزل من ضيوفه أن يأكلوا ، فعليهم أن يأكلوا ولا يحرجوه ، لأنه ربما لم تكن له حاجة فيه ، فإذا خرج فلا ينتظرونه