ومن آداب الطعام ، تقديم الطعام على الصلاة : إذا تزاحما في وقت واحد ، عن عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَأَلْقَى السِّكِّينَ ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ " [ أخرجه البخاري ] .
الحديث دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة دون الطعام ، فالطعام لا يمثل له أهمية كبرى يترك الصلاة من أجله ، بل الطعام وسيلة يتقوى بها العبد على طاعة ربه سبحانه وتعالى ، فهو يأكل ليقوم إلى الصلاة ، لا يأكل ليتكاسل عن الصلاة ، ويهملها ، فيملأ بطنه بما لذ وطاب من أنواع الطعام ثم لا يستطيع الحركة بعد ذلك ، ليس هذا هو مقصود الشرع من الطعام ، بل مقصوده أخذ الكفاية دون الشبع التام ، حتى يستطيع العبادة بكل طمأنينة وخشوع ، فالطعام وسيلة لا غاية ، الغاية هي عبادة الله وحده لا شريك له ، والطعام والشراب وسيلة للتقوي على أداء العبادة وفق الشرع المطهر .
فإذا قدم الإنسان طعامه ، ثم حضرت الصلاة ، وتزاحم الطعام والصلاة ، فهنا يُقدم الطعام ما دامت نفسه تتوق إليه ، فيأكل ما تيسر ثم يدرك ما بقي من الصلاة مع الجماعة ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ " [ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ] .
قال الترمذي رحمه الله : " وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ : أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَبِهِ يَقُولُ : أَحْمَدُ ، وَإِسْحَقُ يَقُولَانِ : يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ ، وقال : سَمِعْت الْجَارُودَ يَقُولُ : سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ ، إِذَا كَانَ طَعَامًا يَخَافُ فَسَادَهُ .
وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَشْبَهُ بِالِاتِّبَاعِ ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ لَا يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ بِسَبَبِ شَيْءٍ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : " لَا نَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَفِي أَنْفُسِنَا شَيْءٌ " [ انظر صحيح الترمذي 1 / 206 ] .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ ، فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ ، وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ " ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ، يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وَعَنِهُ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ ، فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ " [ أخرجه البخاري ] .
هذه الأدلة تدل على أنه إذا تزاحم الطعام والعشاء ، فإنه يقدم الطعام على العشاء وهكذا سائر الصلوات ، لكن يجب أن يتنبه المسلم بأن لا يقدم طعامه وقت العشاء هروباً من أداء الصلاة مع الجماعة ، ومن فعل ذلك فليس له رخصة في ترك الصلاة ولو تكبيرة الإحرام ، لأنه قصد ترك الصلاة في مقابل وضع الطعام عمداً في وقت الصلاة ، وهنا يعامل بنقيض قصده ، أما إذا وضع الطعام فجأة وقت الصلاة وكان جائعاً ولا بد من الأكل ، فإنه يقدم الطعام على الصلاة ولا يتخذها عادة .